فصل: من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {يَتْلُو عَلَيْهِمْ ءاياته وَيُزَكّيهِمْ وَيُعَلّمُهُمُ الكتاب والحكمة}:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال القرطبي:

والمعنى في المِنّة فيه أقوال: منها أن يكون معنى {مِّنْ أَنْفُسِهِمْ} أي بشرٌ مِثلُهم.
فلما أظهر البراهين وهو بشر مثلهم عُلِم أن ذلك من عند الله.
وقيل؛ {مِنْ أنْفُسِهِمْ} منهم.
فشَرفُوا به صلى الله عليه وسلم، فكانت تلك المنّة.
وقيل: {مِن أنْفُسِهِم} ليعرفوا حاله ولا تخفى عليهم طريقته.
وإذا كان محله فيهم هذا كانوا أحقَّ بأن يقاتلوا عنه ولا ينهزموا دونه.
وقرئ في الشّواذ {من أنْفَسِهِم} (بفتح الفاء) يعني من أشرفهم؛ لأنه من بني هاشم، وبنو هاشم أفضلُ من قريش، وقريشٌ أفضل من العرب، والعربُ أفضل من غيرهم.
ثم قيل: لفظ المؤمنين عامّ ومعناه خاص في العرب؛ لأنه ليس حيّ من أحياء العرب إلا وقد ولَده صلى الله عليه وسلم، ولهم فيه نسب؛ إلا بني تَغْلِب فإنهم كانوا نصارى فطهّره الله من دَنَس النّصرانية.
وبيان هذا التأويل قوله تعالى: {هُوَ الذي بَعَثَ فِي الأميين رَسُولًا مِّنْهُمْ} [الجمعة: 2].
وذكر أبو محمد عبد الغني قال: حدّثنا أبو أحمد البصريّ حدّثنا أحمد بن عليّ بن سعيدالقاضي أبو بكر المَرْوَزِي حدّثنا يحيى بن مَعِين حدّثنا هشام بنُ يوسفَ عن عبد الله بن سُلَيمان النّوفَلِي عن الزُّهري عن عُرْوةَ عن عائشة رضي الله عنها: {لَقَدْ مَنَّ الله عَلَى المؤمنين إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنْفُسِهِمْ} قالت: هذه للعرب خاصّةً: وقال آخرون: أرادَ به المؤمنين كلّهم.
ومعنى {مِنْ أَنْفُسِهِمْ} أنه واحدٌ منهم وَبَشَرٌ مِثْلُهُم، وإنما أمتاز عنهم بالوحي؛ وهو معنى قوله: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ} وخَصّ المؤمنين بالذّكْر لأنهم المُنْتَفِعون به، فالمِنَّةُ عليهم أعْظَم. اهـ.

.قال الألوسي:

{لَقَدْ مَنَّ الله} أي أنعم وتفضل، وأصل المنّ القطع وسميت النعمة منة لأنه يقطع بها عن البلية وكذا الاعتداد بالصنيعة منًا لأنه قطع لها عن وجوب الشكر عليها، والجملة جواب قسم محذوف أي والله لقد منّ الله {عَلَى المؤمنين} أي من قومه أو من العرب مطلقًا أو من الإنس وخير الثلاثة الوسط وإليه ذهبت عائشة رضي الله تعالى عنها، فقد أخرج البيهقي وغيره عنها أنها قالت هذه للعرب خاصة والأول خير من الثالث وأيًا مّا كان فالمراد بهم على ما قال الأجهوري: المؤمنون من هؤلاء في علم الله تعالى أو الذين آل أمرهم إلى الإيمان.
{إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ} أي بينهم {رَسُولًا} عظيم القدر جليل الشأن {مّنْ أَنفُسِهِمْ} أي من نسبهم، أو من جنسهم عربيًا مثلهم أو من بني آدم لا ملكًا ولا جنيًا. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {يَتْلُو عَلَيْهِمْ ءاياته وَيُزَكّيهِمْ وَيُعَلّمُهُمُ الكتاب والحكمة}:

.قال الألوسي:

{يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءاياته} إما صفة أو حال أو مستأنفة، وفيه بعد أي يتلو عليهم ما يوحى إليه من القرآن بعدما كانوا أهل جاهلية لم يطرق أسماعهم شيء من الوحي أو بعد ما كان بعضهم كذلك وبعضهم متشوفًا متشوقًا إليه حيث أخبر كتابه الذي بيده بنزوله وبشر به {وَيُزَكّيهِمْ} أي يدعوهم إلى ما يكونون به زاكين طاهرين مما كان فيهم من دنس الجاهلية أو من خبائث الاعتقادات الفاسدة كالاعتقادات التي كان عليها مشركو العرب وأهل الكتابين، أو يشهد بأنهم أزكياء في الدين، أو يأخذ منهم الزكاة التي يطهرهم بها قاله الفراء ولا يخفى بعده ومثله القريب إليه.
{وَيُعَلّمُهُمُ الكتاب والحكمة} قد تقدم الكلام في ذلك.
وهذا التعليم معطوف على ما قبله مترتب على التلاوة وإنما وسط بينهما التزكية التي هي عبارة عن تكميل النفس بحسب القوة العملية وتهذيبها المتفرع على تكميلها بحسب القوة النظرية الحاصل بالتعليم المترتب على التلاوة للإيذان بأن كل واحد من الأمور المترتبة نعمة جليلة على حيالها مستوجبة للشكر ولو روعي ترتيب الوجود كما في قوله تعالى: {رَبَّنَا وابعث فِيهِمْ رَسُولًا مّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آياتك وَيُعَلّمُهُمُ الكتاب والحكمة وَيُزَكّيهِمْ} [البقرة: 129] لتبادر إلى الفهم عدّ الجميع نعمة واحدة وهو السر في التعبير عن القرآن بالآيات تارة وبالكتاب والحكمة أخرى رمزًا إلى أنه باعتبار كل عنوان نعمة على حدة قاله مولانا شيخ الإسلام، وقد يقال: المراد من تلاوة الآيات تلاوة ما يوحى إليه صلى الله عليه وسلم من الآيات الدالة على التوحيد والنبوة، ومن التزكية الدعاء إلى الكلمة الطيبة المتضمنة للشهادة لله تعالى بالتوحيد ولنبيه عليه الصلاة والسلام بالرسالة، وبتعليم الكتاب تعليم ألفاظ القرآن وكيفية أدائه ليتهيأ لهم بذلك إقامة عماد الدين، وبتعليم الحكمة الإيقاف على الأسرار المخبوءة في خزائن كلام الله تعالى، وحينئذ أمر ترتيب هذه المتعاطفات ظاهر إذ حاصل ذلك أنه صلى الله عليه وسلم يمهد سبل التوحيد ويدعو إليه ويعلم ما يلزم بعد التلبس به ويزيد على الزبد شهدًا فتقديم التلاوة لأنها من باب التمهيد ثم التزكية لأنها بعده وهي أول أمر يحصل منه صفة يتلبس بها المؤمنون وهي من قبيل التخلية المقدمة على التحلية لأن درء المفاسد أولى من جلب المصالح، ثم التعليم لأنه إنما يحتاج إليه بعد الإيمان، بقي أمر تقديم التعليم على التزكية في آية البقرة ولعله كان إيذانًا بشرافة التحلية كما أشرنا إليه هناك فتأمل. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وقوله: {يتلوا عليهم آياته} أي يقرأ عليهم القرآن، وسمّيت جمل القرآن آيات لأنّ كلّ واحدة منها دليل على صدق الرسول من حيث بلاغة اللفظ وكمال المعنى، كما تقدّم في المقدمة الثامنة من مقدمات هذا التفسير، فكانوا صالحين لفهم ما يتلى عليهم من غير حاجة لترجمان.
والتزكية: التطهير، أي يطهر النفوس بهدي الإسلام.
وتعليم الكتاب هو تبيين مقاصد القرآن وأمرُهم بحفظ ألفاظه، لتكون معانيه حاضرة عندهم.
والمراد بالحكمة ما اشتملت عليه الشريعة من تهذيب الأخلاق وتقنين الأحكام لأنّ ذلك كلّه مانع للأنفس من سوء الحال واختلال النظام، وذلك من معنى الحكمة، وتقدّم القول في ذلك عند قوله تعالى: {يؤتي الحكمة من يشاء} [البقرة: 269].
وعطفُ الحكمة على الكتاب عطف الأخصّ من وجه على الأعمّ من وجه، فمن الحكمة ما هو في الكتاب نحو: {ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون} [الحشر: 9] ومنها ما ليس في الكتاب مثل قوله عليه السلام: «لا يُلدَغُ المؤمن من جحر مرّتين» وفي الكتاب ما هو علم وليس حكمة مثل فَرْض الصلاة والحجّ. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أن كمال حال الإنسان في أمرين: في أن يعرف الحق لذاته، والخير لأجل العمل به، وبعبارة أخرى: للنفس الإنسانية قوتان، نظرية وعملية، والله تعالى أنزل الكتاب على محمد عليه السلام ليكون سببا لتكميل الخلق في هاتين القوتين، فقوله: {يَتْلُو عَلَيْهِمْ ءاياته} إشارة إلى كونه مبلغا لذلك الوحي من عند الله إلى الخلق، وقوله: {وَيُزَكّيهِمْ} اشارة إلى تكميل القوة النظرية بحصول المعارف الإلهية {والكتاب} إشارة إلى معرفة التأويل، وبعبارة أخرى {الكتاب} إشارة إلى ظواهر الشريعة {والحكمة} إشارة إلى محاسن الشريعة وأسرارها وعللها ومنافعها، ثم بين تعالى ما تتكمل به هذه النعمة.
وهو أنهم كانوا من قبل في ضلال مبين، لأن النعمة إذا وردت بعد المحنة كان توقعها أعظم، فإذا كان وجه النعمة العلم والاعلام، ووردا عقيب الجهل والذهاب عن الدين، كان أعظم ونظيره قوله: {وَوَجَدَكَ ضَالًا فهدى} [الضحى: 7]. اهـ.

.قال ابن عاشور:

ووصف الضلال بالمبين لأنّه لشدّته لا يلتبس على أحد بشائبة هُدى، أو شبهة، فكان حاله مبيّنًا كونَه ضلالًا كقوله: {وقالوا هذا سحر مبين} [النمل: 13].
والمراد به ضلال الشرك والجهالة والتقاتل وأحكام الجاهلية. اهـ.

.قال ابن عبد ربه:

قال المأمون لأبي عليّ المعروف بأبي يَعْلى المِنْقريّ: بلغني أنك أُمِّيّ، وأنك لا تقيم الشِّعر، وأنك تَلحن في كلامك؟ فقال: يا أميرَ المؤمنين، أمّا الَّلحن فربما سَبَقني لساني بالشيء منه، وأما الأمِّيَّة وكَسْر الشعر فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أميا وكأن لا يُنشد الشعر؟ قال المأمون: سألتُك عن ثلاثة عيوب فيك فزدْتني عَيبًا رابعًا، وهو الجهل، يا جاهل، إنّ ذلك في النبي صلى الله عليه وسلم فضيلة، وفيك وفي أمثالك نَقيصة، وإنما مُنع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم لنَفْي الظِّنَّة عنه، لا لِعَيب في الشِّعر والكتاب، وقد قال تبارك وتعالى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذَا لارْتَابَ اْلمُبْطِلُونَ}.
وقال عبدُ الملك بن مروانً: الإعراب جمالٌ للوَضِيع، واللحن هُجْنة على الشَّرِيف.
وقال: تَعلَّموا النحوَ كما تتعلّمون السُّنن والفرائض.
وقال رجلٌ للحسن: إنَّ لنا إمامًا يلحن؟ قال: أمِيطوه عنكم، فإن الإعراب حِلْية الكلام.
وقال الشاعر:
النَّحوُ يَبْسُط من لسان الأَلْكن ** والمرءُ تُكْرمه إذا لم يَلْحَنِ

فإذا طلبتَ من العُلوم أَجلَّها ** فأَجلُّها منها مُقِيم الألسن

وقال آخر:
النَّحو صَعْب وطويل سُلَّمه ** إذا ارتقى فيه الذي لا يَعْلمُهْ

زَلَّتْ به إلى الحَضِيض قَدَمُه ** يُريدُ أن يُعْربه فَيُعْجِمه

وقال رجل للحسن: يا أبو سَعِيد؟ فقال: أحْسَبُ أنّ الدَّوانِق شَغَلتْك عن أن تقول: يا أبا سعيد.
وكان عمرُ بنُ عبد العزيز جالسًا عند الوليد بن عبد الملك، وكان الوليد لَحَّانًا، فقال: ياغلام، ادعُ لي صالح؛ فقال الغلام: يا صالحا؛ قال له الوليد: انُقص ألفًا؛ فقال عمر: وأنت يا أميرَ المؤمنين فزِدْ ألفًا.
ودخل على الوليد بن عبد الملك رجلٌ من أشراف قُريش، فقال له الوليد: من خَتَنَك؟ قال له: فلانٌ اليهودي؛ فقال: ما تقول؟ ويحك! قال: لعلّك إنما تَسْأل عن خَتَني يا أمير المؤمنين، هو فلان بن فلان.
وقال عبدُ الملك بن مروان: أضرّ بنا في الوليد حُبُّنا له، فلم نُلْزمه البادية. وقد يَستثقل الإعرابُ في بعض المواضع كما يستخفّ اللحنُ في بعضها.
وقال مالك بن أسماء بن خارجة الفَزاريّ:
منطقٌ بارعٌ وتَلحنُ أحيا ** نًا وخير الحديث ما كان لحنا

وذلك أنه من حَكى نادرةً مُضحكة، وأراد أن يُوفِّي حروفها حظَّها من الإعرِاب، طَمس حُسنها، وأَخرجها عن مِقدارها، ألا ترى أن مُزَبِّدا المَدِينيّ أكل طَعاماَ فكظَّه، فقيل له: أَلا تَقِي؟ قال: وما أَقي؟ خبز نقي ولحم طَرِي؟ مَرَتي طالق، لو وَجدت هذا فيئًا لأكلته.
قال: وكذلك يُستقبح الإعراب في غير موضعه كما استُقبح من عيسى بن عمر إذ قال وابن هُبيرة يَضربه بالسِّياط: واللهّ إن كانت إلا أُثَيَّابا في أُسَيْفاط قَبضها عَشَّاروك.
وحُكي عن بعض المغربين في الَّلحن أن جارية له غنّته:
إذا ما سَمعتُ اللومَ فيها رفضته ** فَيَدْخل من أُذْنٍ ويَخرج مِن أُخرَى

فقال لها: مِن أُخرِى يا فاعلة، أما علّمتِكٍ أن من تَخفض؟.
وقال رجل لشُرَيح: ما تقول في رجل توفي وترك أباه وأخيه؟ فقال له: أباه وأخاه؛ فقال: كم لأباه وأخاه؟ قال لأبيه وأخيه؛ قال: أنت علّمتني فما أصْنَع؟
وقال بعضُ الشعراء، وأَدرك عليه رجل من المُتفصّحين يقال له حَفْص لحنًا في شِعْره، وكان حَفْص به اختلاف في عَينيه وتَشويه في وجهه، فقال فيه:
لقد كان في عَينيك يا حَفْصً شاغلٌ ** وأنفٌ كمِثْل الطَّود عما تَتَبَّع

تَتَبّع لحنًا من كلامٍ مُرَقَّش ** وخَلقْك مبْنيّ من اللَّحْن أَجمع

فعينك إقواء وأنفك مكفأ ** ووجهك إبطاء فما فيك مرقع

.باب في اللحن والتصحيف:

وكان أبو حَنيفة لَحَّانًا، على أنه كان في الفُتيا ولُطف النَظر واحدَ زمانه. وسأله رجل يومًا فقال له: ما تقول في رجل تناول صَخْرة فضرب بها رأسَ رجل فقَتله، أتُقيده به؟ قال: لا، ولو ضربه بأبا قُبيس. اهـ.
قال ابن عبد ربه:

.أدب الله لنبيه صلى الله عليه وسلم:

قال أبو عُمر أحمد ببن محمد: أوّل ما نَبدأ أدبُ النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أَدبه صلى الله عليه وسلم لأمّته، ثم الحكماء والعُلماء، وقد أدّبَ الله نَبِيّه بأحسن الآداب كلها، فقال له: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولةً إلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطها كُلّ الْبَسْط فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا}. فنهاه عن التَقتِير كما نهاه عن التَّبذير، وأمره بتوسّط الحاليْن، كما قال عزّ وجلّ: {وَالَّذِينَ إذَا أنْفَقُوا لم يسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وكانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاما}، وقد جَمع الله تبارك وتعالى لنبيِّه صلى الله عليه وسلم جوامعَ الكَلِم في كتابه المُحْكَكم، ونَظِم له مَكارم الأخلاق كلّها في ثلاث كلمات منه، فقال: {خُذِ العفو وَأَمًرْ بالعرفِ وأعْرِضْ عَنِ الجاهِلِينَ}. ففي أَخذِه العفو صِلة مَن قَطَعه، والصَّفحُ عمَّن ظَلَمه؛ وفي الأمر بالمعروف تَقْوَى الله، وغَض الطِّرفِ عن المحارم، وصَوْن اللسان عن الكَذِب؛ وفي الإعراض عن الجاهِلين تنزيه النَّفْس عن مماراة السَّفيه، ومنازعة اللَجُوجِ. ثم أمره تبارك وتعالى فيماِ أدَّبه باللِّين في عَريكته والرِّفق بأمته فقال: {واخفضْ جَناحَك لمن اتَّبَعَكَ مِنَ المؤْمِنِين}. وقال: {ولَوْ كُنْتَ فَظّا غليظَ الْقَلْب لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}.
وقال تبارك وتعالى: {لا تَسْتَوي الحَسَنَةُ وَلا السِّيِّئَةُ اْدْفَعْ بالَّتي هِيَ أحْسَنُ فَإِذَا الَذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كأنَّهُ وَليٌّ حَمِيم وَمَا يُلَقَاهَا إلا الذِينَ صَبروا وَمَا يُلَقَاهَا إلاّ ذُو حَظٍّ عَظِيم}. فلما وَعى عن الله عزَّ وجلَّ وكَمُلت فيه هذه الآداب، قال اللهّ تبارك وِتعالى: {لقَدْ جَاءَكمِ رَسُولٌ مِنْ أنفُسِكم عَزِيزٌ عليكم ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عليكمُ بالمؤمِنين رَءُوفٌ رَحِيم فإنْ توَلَّوْا فَقُلْ حَسْبيَ الله لا إله إلا هو عليهِ تَوَكلْتُ عليه وَهُوَ رَبُّ العَرْش العَظِيم}.

.باب أدب النبي صلى الله عليه وسلم لأمته:

قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما أدّب به أمته وحَضها عليه من مَكارم الأخْلاق وجَمِيل المعاشرة وإصلاح ذاتِ البَينْ وصِلَة الأرحام: «أوْصاني ربيِّ بتِسْع وأنا أوصيكم بها: أوصاني بالإخلاص في السر والعَلانية، والعَدْل في الرِّضا والغَضب، والقَصْد في الغِنَى والفَقْر، وأن أعْفُو عمن ظَلَمني، وأعْطي مَن حَرَمني، وأصِل مَن قَطعني، وأن يكون صَمتي فِكْرًا، ونُطْقي ذِكْرًا، ونَظَري عبَرا».
وقد قال صلى الله عليه وسلم: نَهيتُكم عن قِيل وقال وإضاعةُ المال وكثرة السؤال.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: لا تقْعدوا على ظُهور الطُّرق، فإن أَبَيْتم فغُضُوا الأبصار، وأفشُوا السلام، واهدوا الضالَّ، وأعينوا الضعِيف.
وقال صلى الله عليه وسلم: أَوْكُوا السِّقاء، واكْفَئُوإ الإناء، وأَغْلِقوا الأبواب، وأطفِئوا المِصْباح، فإن الشيطأن لا يَفْتح غَلَقا، ولا يحل وِكاءً، ولا يَكْشف الإناء.